كائد الشيطان - بدع شهر رجب
الشيخ: محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى إلى الناس كافةً بالحق بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ رسالة ربه، ونصح أمته، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين؛ فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى، اتقوا الله (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1].
اتقوا الله -أيها المسلمون-، وتيقنوا أن لله تعالى الحكمة البالغة فيما يصطفي من خلقه؛ فالله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس، ويفضل من الأوقات أوقاتاً، ومن الأمكنة أماكن، ففضل الله تعالى مكة على سائر البقاع، ثم من بعدها المدينة مهاجر خاتم الأنبياء محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، ثم من بعدهما بيت المقدس مكان غالب الأنبياء الذين قصّ الله علينا نبأهم وجعل الله تعالى لمكة والمدينة حرماً دون بيت المقدس، وفضل الله تعالى بعض الشهور والأيام والليالي على بعض، فعدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعةٌ حرم، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ثلاثةٌ متوالية، وشهر رجب بين جمادى وشعبان، وخير يومٍ طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، وليلة القدر خيرٌ من ألف شهر.
فعظّموا -أيها المسلمون- ما عظّمه الله، فقد ذكر أهل العلم أن ثواب الحسنات يضاعف في كل زمانٍ و مكانٍ فاضل، وأن عقوبة السيئات تعظم في كل زمان ومكان فاضل، وشاهدوا هذا في كتاب الله -عز وجل- وفي سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- يقول الله تعالى: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) [البقرة: 217] وقال الله تعالى في المسجد الحرام: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (الحج: 25]
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى".
أيها المسلمون: إنكم في هذه الأيام في أوائل شهر رجب أحد الأشهر الأربعة الحرم، فلا تظلموا فيهن أنفسكم، التزموا حدود الله تعالى، أقيموا فرائض الله واجتنبوا محارمه، أدوا الحقوق في ما بينكم وبين ربكم وفي ما بينكم وبين إخوانكم من الخلق، واعلموا أن الشيطان قد قعد لابن آدم كل مرصد، وأقسم لله ليأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ولا يجد أكثرهم شاكرين، أقسم لله تعالى بعزة الله ليغوينهم أجمعين، إلا عباد الله المخلصين.
أيها المسلمون: إن الشيطان لحريصٌ كل الحرص على إغوائكم وإضلالكم، يصدكم عن دين الله يأمركم بالفحشاء والمنكر، يحبب إليكم المعاصي ويكره إليكم الطاعات، يأتيكم من كل جانب ويقذفكم بسهامه من كل جبهة، إن رأى من العبد رغبةً في الخير ثبطه عنه وأقعده، فإن عجز عنه من هذا الجانب جاءه من جانب الغلو والوسواس والشكوك وتعدي الحدود في الطاعة؛ فأفسدها عليه؛ فإن عجز عنه من جانب الطاعات جاءه من جانب المعاصي. فينظر الشيطان أقوى المعاصي هدماً لدين الإنسان فيوقعه فيها، فإن عجز عنه من هذا الجانب حاوله من جانبٍ أسهل فأوقعه فيما دون الكفر من المعاصي، فإذا وقع في شرك المعاصي؛ فقد نال الشيطان منه بغيته؛ لأن المرء متى كسر حاجز المعصية أصبحت المعصية هينةً عليه صغيرةً في عينه يقللها الشيطان في نفسه تارة، ويفتح عليه باب التسويف تارةً أخرى.
يقول الشيطان له هذه معصيةٌ هينّة افعلها هذه المرة وتب إلى الله، فباب التوبة مفتوح وربك غفورٌ رحيم، فلا يزال يعده ويمنّه وما يعده الشيطان إلا غروراً، فإذا وقع في هذه المعصية التي كان يراها من قبل صعبةً كبيرة وهانت عليه تدرج به الشيطان إلى ما هو أكبر منها، وهكذا أبداً حتى يخرجه من دينه كله.
ولقد أشار نبينا وإمامنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- إلى هذا التدرج فيما رواه الإمام أحمد عن سهلٌ بن سعدٍ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه سلم- قال: "إياكم ومحقّرات الذنوب فإنما ما مثل محقّرات الذنوب كمثل قومٍ نزلوا بطن وادٍ فجاء هذا بعود وهذا بعود حتى أنضجوا خبزهم وإن محقّرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه".
أيها المسلمون .. عباد الله: حاسبوا أنفسكم، احذروا مكائد الشيطان ومكره، فإنه يتنوّع في ذلك ويتلوّن، فهذا يأتيه الشيطان من قبل الإيمان والتوحيد فيوقعه في الشك أحياناً، وفي الشرك أحياناً، وهذا يأتيه من قبل الصلاة فيوقعه في التهاون بها والإخلال، وهذا يأتيه من قبل الزكاة فيوقعه في البخل بها أو صرفها في غير مستحقها.
وهذا يأتيه من قبل الصيام فيوقعه فيما ينقّصه من سيئ الأقوال والأفعال، وهذا يأتيه من قبل الحج فيوقعه في التسويف به حتى يأتيه الموت وما حج، وهذا يأتيه من قبل حقوق الوالدين والأقارب فيوقعه في العقوق والقطيعة، وهذا يأتيه من قبل الأمانة فيوقعه في الغش والخيانة.
وهذا يأتيه من قبل المال فيوقعه في اكتسابه من غير مبالاة فيكتسبه عن طريق الحرام بالربا تارة، وبالغرر والجهالة تارة، وبأخذ الرشوة -أحياناً-، وبإهمال عمله تارة، وبأخذ انتدابات وغيرها مما يأخذه بغير حق وهو لم يقم بذلك العمل، إلى غير ذلك من أنواع المعاصي وأجناسها التي يغر بها الشيطان بني آدم، ثم يتخلّي عنهم أحوج ما يكونون إلى المساعد والمعين.
أيها الأخوة .. أيها المؤمنون: استمعوا قول الله -عز وجل- في غرور الشيطان لأبوينا آدم وحواء حين أسكنهما الله تعالى الجنة، وأذن لهما أن يأكلا رغداً من حيث شاءا من أشجارها وثمارها سواء شجرةٍ واحدة عيّنها لهما بالإشارة (وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ) [البقرة: 35]
ولكن الشيطان وسوس لهما وقال: (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) [الأعراف: 20] (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف:21] (فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ) [الأعراف: 22] أي أنزلهما من مرتبة الطاعة وعلو المنزلة بغرور.
(فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ) [الأعراف: 22]
واسمعوا خداعه إلى قريشٍ في الخروج إلى بدر، وتخليه عنهم، حيث يقول الله تعالى في ذلك: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:48]
واسمعوا قول الله -عز وجل- في خداع الشيطان لكل إنسانٍ وتخليه عنه، حيث يقول الله تعالى: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) [الحشر:16] (فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ) [الحشر:17]
واسمعوا قول الله تعالى عن الشيطان يوم القيامة: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [ابراهيم:22]
أيها المسلمون: هذا موقف الشيطان ممن خدعه وممن غره وأهلكه فأوقعه في معصية الله، ولهذا قال الله -عز وجل- محذراً عباده منه: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر:6]
أيها المسلمون: فإن قلتم كيف نعرف ما أمر به الشيطان؟ كيف نعرف الذي يسلط علينا به؟ فإننا نقول إن كل ما تجدون في نفوسكم من تكاسلٍ عن الطاعات وتهاونٍ بالمعاصي وميلٍ إليها فإنه من الشيطان ونزغاته لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [النور: 21] وقال تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاء) [البقرة: 268].
فإذا رأيتم من أنفسكم ميلاً إلى المعصية، وإلى ترك الواجب، فإن هذا من أوامر الشيطان؛ فاستعيذوا بالله منه، فإن في ذلك الشفاء والخلاص، قال الله تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف:201]. [الأعراف:200]
اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا -ونحن الفقراء إليك وأنت الغني عنا، نحن العاجزون وأنت القادر، نحن الضعفاء وأنت القوي- نسألك اللهم برحمتك أن تعيذنا من الشيطان الرجيم، اللهم أعذنا من الشيطان الرجيم، اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين، الذين ليس له عليهم سلطانٌ وعلى ربهم يتوكلون، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الشيخ: محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى إلى الناس كافةً بالحق بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ رسالة ربه، ونصح أمته، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين؛ فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى، اتقوا الله (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1].
اتقوا الله -أيها المسلمون-، وتيقنوا أن لله تعالى الحكمة البالغة فيما يصطفي من خلقه؛ فالله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس، ويفضل من الأوقات أوقاتاً، ومن الأمكنة أماكن، ففضل الله تعالى مكة على سائر البقاع، ثم من بعدها المدينة مهاجر خاتم الأنبياء محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، ثم من بعدهما بيت المقدس مكان غالب الأنبياء الذين قصّ الله علينا نبأهم وجعل الله تعالى لمكة والمدينة حرماً دون بيت المقدس، وفضل الله تعالى بعض الشهور والأيام والليالي على بعض، فعدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعةٌ حرم، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ثلاثةٌ متوالية، وشهر رجب بين جمادى وشعبان، وخير يومٍ طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، وليلة القدر خيرٌ من ألف شهر.
فعظّموا -أيها المسلمون- ما عظّمه الله، فقد ذكر أهل العلم أن ثواب الحسنات يضاعف في كل زمانٍ و مكانٍ فاضل، وأن عقوبة السيئات تعظم في كل زمان ومكان فاضل، وشاهدوا هذا في كتاب الله -عز وجل- وفي سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- يقول الله تعالى: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) [البقرة: 217] وقال الله تعالى في المسجد الحرام: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (الحج: 25]
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى".
أيها المسلمون: إنكم في هذه الأيام في أوائل شهر رجب أحد الأشهر الأربعة الحرم، فلا تظلموا فيهن أنفسكم، التزموا حدود الله تعالى، أقيموا فرائض الله واجتنبوا محارمه، أدوا الحقوق في ما بينكم وبين ربكم وفي ما بينكم وبين إخوانكم من الخلق، واعلموا أن الشيطان قد قعد لابن آدم كل مرصد، وأقسم لله ليأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ولا يجد أكثرهم شاكرين، أقسم لله تعالى بعزة الله ليغوينهم أجمعين، إلا عباد الله المخلصين.
أيها المسلمون: إن الشيطان لحريصٌ كل الحرص على إغوائكم وإضلالكم، يصدكم عن دين الله يأمركم بالفحشاء والمنكر، يحبب إليكم المعاصي ويكره إليكم الطاعات، يأتيكم من كل جانب ويقذفكم بسهامه من كل جبهة، إن رأى من العبد رغبةً في الخير ثبطه عنه وأقعده، فإن عجز عنه من هذا الجانب جاءه من جانب الغلو والوسواس والشكوك وتعدي الحدود في الطاعة؛ فأفسدها عليه؛ فإن عجز عنه من جانب الطاعات جاءه من جانب المعاصي. فينظر الشيطان أقوى المعاصي هدماً لدين الإنسان فيوقعه فيها، فإن عجز عنه من هذا الجانب حاوله من جانبٍ أسهل فأوقعه فيما دون الكفر من المعاصي، فإذا وقع في شرك المعاصي؛ فقد نال الشيطان منه بغيته؛ لأن المرء متى كسر حاجز المعصية أصبحت المعصية هينةً عليه صغيرةً في عينه يقللها الشيطان في نفسه تارة، ويفتح عليه باب التسويف تارةً أخرى.
يقول الشيطان له هذه معصيةٌ هينّة افعلها هذه المرة وتب إلى الله، فباب التوبة مفتوح وربك غفورٌ رحيم، فلا يزال يعده ويمنّه وما يعده الشيطان إلا غروراً، فإذا وقع في هذه المعصية التي كان يراها من قبل صعبةً كبيرة وهانت عليه تدرج به الشيطان إلى ما هو أكبر منها، وهكذا أبداً حتى يخرجه من دينه كله.
ولقد أشار نبينا وإمامنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- إلى هذا التدرج فيما رواه الإمام أحمد عن سهلٌ بن سعدٍ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه سلم- قال: "إياكم ومحقّرات الذنوب فإنما ما مثل محقّرات الذنوب كمثل قومٍ نزلوا بطن وادٍ فجاء هذا بعود وهذا بعود حتى أنضجوا خبزهم وإن محقّرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه".
أيها المسلمون .. عباد الله: حاسبوا أنفسكم، احذروا مكائد الشيطان ومكره، فإنه يتنوّع في ذلك ويتلوّن، فهذا يأتيه الشيطان من قبل الإيمان والتوحيد فيوقعه في الشك أحياناً، وفي الشرك أحياناً، وهذا يأتيه من قبل الصلاة فيوقعه في التهاون بها والإخلال، وهذا يأتيه من قبل الزكاة فيوقعه في البخل بها أو صرفها في غير مستحقها.
وهذا يأتيه من قبل الصيام فيوقعه فيما ينقّصه من سيئ الأقوال والأفعال، وهذا يأتيه من قبل الحج فيوقعه في التسويف به حتى يأتيه الموت وما حج، وهذا يأتيه من قبل حقوق الوالدين والأقارب فيوقعه في العقوق والقطيعة، وهذا يأتيه من قبل الأمانة فيوقعه في الغش والخيانة.
وهذا يأتيه من قبل المال فيوقعه في اكتسابه من غير مبالاة فيكتسبه عن طريق الحرام بالربا تارة، وبالغرر والجهالة تارة، وبأخذ الرشوة -أحياناً-، وبإهمال عمله تارة، وبأخذ انتدابات وغيرها مما يأخذه بغير حق وهو لم يقم بذلك العمل، إلى غير ذلك من أنواع المعاصي وأجناسها التي يغر بها الشيطان بني آدم، ثم يتخلّي عنهم أحوج ما يكونون إلى المساعد والمعين.
أيها الأخوة .. أيها المؤمنون: استمعوا قول الله -عز وجل- في غرور الشيطان لأبوينا آدم وحواء حين أسكنهما الله تعالى الجنة، وأذن لهما أن يأكلا رغداً من حيث شاءا من أشجارها وثمارها سواء شجرةٍ واحدة عيّنها لهما بالإشارة (وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ) [البقرة: 35]
ولكن الشيطان وسوس لهما وقال: (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) [الأعراف: 20] (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف:21] (فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ) [الأعراف: 22] أي أنزلهما من مرتبة الطاعة وعلو المنزلة بغرور.
(فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ) [الأعراف: 22]
واسمعوا خداعه إلى قريشٍ في الخروج إلى بدر، وتخليه عنهم، حيث يقول الله تعالى في ذلك: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:48]
واسمعوا قول الله -عز وجل- في خداع الشيطان لكل إنسانٍ وتخليه عنه، حيث يقول الله تعالى: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) [الحشر:16] (فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ) [الحشر:17]
واسمعوا قول الله تعالى عن الشيطان يوم القيامة: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [ابراهيم:22]
أيها المسلمون: هذا موقف الشيطان ممن خدعه وممن غره وأهلكه فأوقعه في معصية الله، ولهذا قال الله -عز وجل- محذراً عباده منه: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر:6]
أيها المسلمون: فإن قلتم كيف نعرف ما أمر به الشيطان؟ كيف نعرف الذي يسلط علينا به؟ فإننا نقول إن كل ما تجدون في نفوسكم من تكاسلٍ عن الطاعات وتهاونٍ بالمعاصي وميلٍ إليها فإنه من الشيطان ونزغاته لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [النور: 21] وقال تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاء) [البقرة: 268].
فإذا رأيتم من أنفسكم ميلاً إلى المعصية، وإلى ترك الواجب، فإن هذا من أوامر الشيطان؛ فاستعيذوا بالله منه، فإن في ذلك الشفاء والخلاص، قال الله تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف:201]. [الأعراف:200]
اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا -ونحن الفقراء إليك وأنت الغني عنا، نحن العاجزون وأنت القادر، نحن الضعفاء وأنت القوي- نسألك اللهم برحمتك أن تعيذنا من الشيطان الرجيم، اللهم أعذنا من الشيطان الرجيم، اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين، الذين ليس له عليهم سلطانٌ وعلى ربهم يتوكلون، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الإثنين يناير 17, 2011 9:57 am من طرف مفتاح الخير
» المصطفى من أذكار المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ
الخميس ديسمبر 23, 2010 1:47 pm من طرف مفتاح الخير
» رسالة في سجود السهو
الإثنين ديسمبر 20, 2010 1:53 pm من طرف مفتاح الخير
» كنوز هامة لطالب العلم
الإثنين ديسمبر 20, 2010 1:46 pm من طرف مفتاح الخير
» نعمه رقه القلب
الأربعاء سبتمبر 15, 2010 3:51 pm من طرف بسمه
» من الخيط الرفيع للفاصل يادكتور مظهر لاتحزن
الخميس أغسطس 05, 2010 6:00 pm من طرف جميله
» رؤية هلال رمضان مع الداعيه الاسلامى مظهر شاهين على قناة الناس
الخميس أغسطس 05, 2010 5:49 pm من طرف جميله
» الداعيه الاسلامى مظهر شاهين يرجم احد القرانيين على الهواء مباشرة
الخميس أغسطس 05, 2010 5:47 pm من طرف جميله
» بركة نص الليل للدكتور مظهر شاهين
الخميس أغسطس 05, 2010 5:46 pm من طرف جميله